الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج ابن إسحق عن يزيد بن رومان قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني النضير تحصنوا منه في الحصون فأمر بقطع النخل والتحريق فيها فنادوه يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فنزلت {ما قطعتم من لينة...}.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي من مغانم المسلمين، وقال الذين قطعوا: بل هي غيظ للعدوّ فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإِثم، فقال: إنما قطعه وتركه بإذن الله.وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن ابن عباس أن سورة الحشر نزلت في النضير، وذكر الله فيها الذي أصابهم من النعمة وتسليط رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم حتى عمل بهم الذي عمل بإذنه، وذكر المنافقين الذين كانوا يراسلونهم ويعدونهم النصر فقال: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأوّل الحشر} إلى قوله: {وأيدي المؤمنين} من هدمهم بيوتهم من تحت الأبواب ثم ذكر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل وقول اليهود له يا محمد قد كنت تنهىعن الفساد فما بال قطع النخل؟ فقال: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} يخبرهم أنها نعمة منه، ثم ذكر مغانم بني النضير فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: {قدير} أعلمهم أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث يشاء، ثم ذكر مغانم المسلمين مما يوجف عليه الخيل والركاب ويفتح بالحرب فقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله واللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فذا مما يوجف عليه الخيل والركاب، ثم ذكر المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول ومالكًا وداعسًا ومن كان على مثل رأيهم فقال: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإِخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخْرِجْتُمْ لنخرجن معكم} إلى {كمثل الذين من قبلهم قريبًا} يعني بني قينقاع الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} قبل الشام وهم بنو النضير حي من اليهود أجلاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر مرجعه من أحد.وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم} قال: النضير إلى قوله: {وليخزي الفاسقين} قال: ذلك ما بين ذلك كله.وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: من شك أن المحشر إلى بيت القدس فليقرأ هذه الآية {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} فقد حشر الناس مرة وذلك حين ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة أجلى اليهود.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول ومن كان يعبد الأوثان معه من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر يقولون: إنكم قد آويتم صاحبنا وإنكم أكثر أهل المدينة عددًا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه ولنستعدين عليكم العرب، ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم وأبناءكم.، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبيّ ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا واجتمعوا وأجمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم في جماعة من أصحابه، فقال: لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، فأنتم هؤلاء تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم. فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر بعد ذلك فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء، وهي الخلاخيل. فلما بلغ كتابهم اليهود اجتمعت بنو النضير بالغد وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج إليك منا ثلاثون حبرًا حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك، ويسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبرًا من اليهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلًا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا: كيف نفهم ونحن ستون رجلًا؟ أخرج في ثلاثة من أصحابك ونخرج إليك في ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنا كلنا وصدقناك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار، فأخبرته خبر ما أراد بنو النضر من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعًا حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فسارّه بخبرهم قبل أن يصل إليهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم فقال لهم: إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدونني عليه، فأبوا أن يعطوه عهدًا، فقاتلهم يومه ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه فانصرف عنهم إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإِبل إلا الحلقة، والحلقة السلاح، فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإِبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها فيحتملون ما وافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام، وكان بنو النضير من سبط من أسباط بني إسرائيل لم يصبهم جلاء منذ كتب الله الجلاء على بني إسرائيل، فلذلك أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلولا ما كتب الله عليهم من الجلاء لعذبهم في الدنيا كما عذبت بنو قريظة، فأنزل الله {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} حتى بلغ {والله على كل شيء قدير} فكان نخيل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، فأعطاه الله إياها وخصّه بها، فقال: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} يقول: بغير قتال فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها المهاجرين، وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة.وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك أن قريظة والنضير قبيلتين من اليهود كانوا حلفاء لقبيلتين من الأنصار، الأوس والخزرج في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت الأنصار وأبت اليهود أن يسلموا سار المسلمون إلى بني النضير وهم في حصونهم، فجعل المسلمون يهدمون ما يليهم من حصونهم ويهدم الآخرون ما يليهم سقط أن يقع عليهم حتى أفضوا إليهم فنزلت {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم} إلى قوله: {شديد العقاب} فلما أفضوا إليهم نزلوا على عهد بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم على أن يجلوهم وأهليهم ويأخذوا أموالهم وأرضهم، فأجلوا ونزلوا خيبر، وكان المسلمون يقطعون النخل، فحدثني رجال من أهل المدينة أنها نخل أصفر كهيئة الدقل تدعى اللينة، فاستنكر ذلك المشركون، فأنزل الله عذر المسلمين {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين} فأما قول الله {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال: لم يسيروا إليهم على خيل ولا ركاب إنما كانوا في ناحية المدينة، وبقيت قريظة بعدهم عامًا أو عامين على عهد بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء المشركون يوم الأحزاب أرسل المشركون إليهم أن اخرجوا معنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت إليهم اليهود أن ارسلوا إلينا بخمسين من رهنكم، فجاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى المسلمين فحدثهم، وكان نعيم يأمن في المسلمين والمشركين، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قد أرسلوا إلى المشكرين يسألونهم خمسين من رهنهم ليخرجوا معهم فأبوا أن يبعثوا إليهم بالرهن فصاروا حربًا للمسلمين والمشركين فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وخوات بن جبير، فلما أتياهم قال عظيمهم كعب بن الأشرف: إنه قد كان لي جناحان فقطعتم أحدهما فإما أن تردوا عليّ جناحي، وإما أن أتخذ عليكم جناحًا، فقال خوات بن جبير: إني لأهم أن أطعنه بحربتي. فقال له سعد: إذن يسبق القوم ويأخذون، فمنعه فرجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثاه بالذي كان من أمرهما وأذن الله فيهم، ورجع الأحزاب ووضع النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه فأتاه جبريل، فقال: والذي أنزل عليك الكتاب ما نزلت عن ظهرها منذ نزل بك المشركون حتى هزمهم الله، فسر فإن الله قد أذن لك في قريظة فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فقال لهم: يا إخوة القردة والخنازير، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشًا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان من القبيلة الذين هم حلفاؤهم فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتقسم غنائمهم وأموالهم ويذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حكم بحكم الله فضرب أعناقهم وقسم غنائمهم وأموالهم».وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن سعيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير في حاجة فهموا به فأطلعه الله على ذلك فندب الناس إليهم فصالحهم على أن لهم الصفراء والبيضاء وما أقلت الإِبل، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النخل والأرض والحلقة قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط أحدًا من الأنصار منها شيئًا إلا سهل بن حنيف وأبا دجانة.وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا يومًا إلى النضير ليسألهم كيف الدية فيهم، فلما لم يروا مع رسول الله كثير أحد أبرموا بينهم على أن يقتلوه ويأخذوا أصحابه أسارى ليذهبوا بهم إلى مكة ويبيعوهم من قريش. فبينما هم على ذلك إذ جاء من اليهود من المدينة فلما رأى أصحابه يأتمرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد أن نقتل محمدًا ونأخذ أصحابه، فقال لهم: وأين محمد؟ قالوا: هذا محمد قريب. فقال لهم صاحبهم: والله لقد تركت محمدًا داخل المدينة فأسقط بأيديهم وقالوا: قد أخبر أنه انقطع ما بيننا وبينه من العهد، فانطلق منهم ستون حبرًا ومنهم حيي بن أخطب والعاصي بن وائل حتى دخلوا على كعب، وقالوا: يا كعب أنت سيد قومك ومدحهم احكم بيننا وبين محمد، فقال لهم كعب: أخبروني ما عندكم قالوا: نعتق الرقاب ونذبح الكوماء، وإن محمدًا انبتر من الأهل والمال فشرفهم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقلبوا فأنزل الله {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51] إلى {فلن تجد له نصيرًا} [المائدة: 11] ونزل عليه لما أرادوا أن يقتلوه {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يكفيني كعبًا؟» فقال ناس من أصحابه فيهم محمد بن مسلمة: نحن نكفيك يا رسول الله ونستحل منك شيئًا فجاؤوه فقالوا: يا كعب إن محمدًا كلفنا الصدقة فبعنا شيئًا. قال عكرمة: فهذا الذين استحلوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم كعب: أرهنوني أولادكم فقالوا: إن ذاك عار فينا غدًا تبيح أن يقولوا عبد وسق ووسقين وثلاثة، قال كعب: فاللامة. قال عكرمة: وهي السلاح، فأصلحوا أمرهم على ذلك فقالوا: موعد ما بيننا وبينك القابلة، حتى إذا كانت القابلة راحوا إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلى يدعو لهم بالظفر، فلما جاؤوا نادوه يا كعب، وكان عروسًا فأجابهم، فقالت امرأته: وهي بنت عمير أين تنزل قد أشم الساعة ريح الدم، فهبط وعليه ملحفة مورسة، وله ناصية، فلما نزل إليهم قال القوم: ما أطيب ريحك ففرح بذلك فقام إليه محمد بن مسلمة فقال قائل المسلمين: أشمونا من ريحه، فوضع يده على ثوب كعب وقال: شموا فشموا، وهو يظن أنهم يعجبون بريحه، ففرح بذلك، فقال محمد بن مسلمة: بقيت أنا أيضًا، فمضى إليه فأخذ بناصيته ثم قال: اجلدوا عنقه، فجلدوا عنقه، ثم إن رسول الله غدا إلى النضير، فقالوا: ذرنا نبك سيدنا، قال: لا، قالوا فحزة على حزة. قال: نعم حزة على حزة. فلما رأوا ذلك جعلوا يأخذون من بطون بيوتهم الشيء لينجوا به والمؤمنون يخربون بيوتهم من خارج ليدخلوا عليهم، فلولا أن كتب الله عليهم الجلاء، قال عكرمة: والجلاء يجلون منهم ليقتلهم بأيديهم. وقال عكرمة: إن ناسًا من المسلمين لما دخلوا على بني النضير أخذوا يقطعون النخل، فقال بعضهم لبعض: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، وقال قائل من المسلمين: لا يقطعون واديًا ولا ينالون من عدوّ نيلًا إلا كتب لهم به عمل صالح فأنزل الله {ما قطعتم من لينة} وهي النخلة {أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} قال: ما قطعتم فبإذني وما تركتم فبإذني.
|